الفنانين العرب بين الماضي والمستقبل

يجادل البعض أن العرب لا يمتلكون إرثاً فنياً مقارنةً بفناني الغرب , وأن الفن التشكيلي بدأ مؤخراً مع بداية القرن الماضي فقط. وهذا كلام مردود عليه.
فالحضارات القديمة كلها لا تخلوا من الفنانين الذين آثروا أن يتركوا لنا أعمالاً فنية رائعة ومنهم فنانوا الحضارات العربية القديمة . ولكن للأسف لم تحظى المواقع الأثرية العربية بالاهتمام الكافي لأبراز كنوز الفن الشرقي.
فقد تم توثيق النقوش والرسوم الجدارية الصخرية في العديد من دولنا العربية أهمها تلك التي وجدت في المملكة العربية السعودية على وجه التحديد في تبوك و حائل ونجران وغيرها. وتلك التي وجدت في اليمن والعراق والبحرين وعمان وبلاد الشام كلها. وجميعها تصور الرموز البيئية المتمثلة في الحيوانات كالأبقار والوعول والثيران والخيول والخنازير البرية وأنواع من الوحوش مثل النمور والأسود. أضف الى بعض الرموز الدينية خصوصا تلك التي صاحبت الرسالات السماوية قبل ظهور الاسلام.

أحد الرسوم الصخرية المكتشفة في المملكة السعودية. (المصدر الرياض http://www.alriyadh.com)

وأخرى في شمال المملكة تجسد اشخاصاً في رحلة صيد يطاردون الوعول.
(المصدر فريق الصحراء alsahra.org)

ولا ننسى الحقبة التي تميزت بنحت التماثيل المختلفة أيام العبادات الوثنية في شبه الجزيرة العربية. وبلاد الشام والرافدين والتي نرى فيها التأثر بالنمط الاغريقي والروماني الى حد كبير.
وخلال الحقبة التي ظهر فيها الاسلام ظهرت فيها خطوط جديدة مما يسمى بالفنون الاسلامية. فكانت النقوش الاسلامية والخطوط العربية بأنواعها دليل دامغ على استمراية المشوار الفني للفنانين العرب والذي أمتد تأثيرهم ليضم فنانين مسلمين غير عرب ساهموا كثيراً وبشكل ملفت فيما يسمى بالفن الاسلامي.

من روائع الفن الاسلامي في سمرقند (اوزبكستان).

و خلال جميع تلك الحقب الفائتة لم يكن مصطلح الفنان متداول بشكله الحاضر الذي نعرفه الآن بل كان يعرف بمسمى الحرفي. فالنقوش والخطوط العربية كانت حصراً على الحرفيين ممن عمّروا وزينوا المساجد ودور العبادة وزخرفوا الاواني والأدوات وخطوا المصاحف والكتب وأبدعوا في تزيينها. وحتى النساء أبدعن في الحياكة والتطريز كمهنة حرفية فنية جميلة.

أحد المساجد المنقوشة في باكستان

لكن نشهد للغرب ببدء الفن التشكيلي على اللوحات القماشية والتي لم يبدأ بها الفنانون العرب الا أثناء وبعد حقبة الاستعمار في القرن الماضي. ولا يعني ذلك ابداً تهميش الأرث الثقافي الفني لهذة المنطقة الضاربة في القدم والعامرة بالحضارات القديمة العظمى .
في بداية القرن الماضي بدى التأثر بالغرب واضحا وانقسم الفنانون العرب الى ثلاثة اقسام:
“رأى الفريق الأول أن الفن العربي المعاصر ينبغي أن ينتهج نهج الفن الأوروبي المعاصر، وأن يَعُدَّ الفنان التشكيلي العربي المعاصر الفن الأوروبي المثال الذي ينبغي أن يُحْتذى، فهو فن عريق مُؤصَّل، له وسائله وتقنياته وأساليبه المنظمة. وهو يعبر عن روح العصر بهذه الصَّرْعات الفنية، والمدارس المتجددة المتلاحقة اللاهثة.
ورفض آخرون هذا الفن كما رفضوا أصحابه المستعمرين، وأبعدوهم عن البلاد العربية، وطالبوا بأن يعودوا لفنونهم العربية وإرثهم الشعبيّ، يستلهمونه ويُنتجون فنًا عربيًا أصيلاً مبنيًا على تراثهم العربي الإسلامي التليد.
وتوسط فريق ثالث بين الرأيين السابقين، ورأى أن يدرس الفن الغربي وأساليبه وتقنياته ووسائله المتقدمة، ويتخيَّر منها ما يُلائمه ويُساعده على إحياء تراثه العربي الإسلامي.
وظلَّت هذه الآراء الثلاثة تتصارع منذ بداية القرن العشرين في أغلب البلاد العربية. وأصبح الفن التشكيلي العربي المعاصر متنوعًا من حيث المحتوى والشكل. فمن حيث المحتوى يُلاحَظ أن الفنانين التشكيليين المعاصرين في البلاد العربية أصبحوا يُعالجون موضوعات متنوعة تندرج من المستوى المحلي إلى المستوى الإقليمي وإلى المستوى العالمي.
ومن حيث الشكل فقد وجدت كل المدارس الفنية الأوروبية الحديثة والمعاصرة طريقها إلى الفنانين التشكيليين العرب، فظهرت المدارس الانطباعية والتكعيبية والتعبيرية والتجريدية، بل وحتى المفاهيمية والواقعية المغالية، السائدة في العقد الأخير من القرن العشرين، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ومن الملاحظ أن المدرسة السيريالية قد انتشرت أكثر من غيرها. ونرى آثارها في أعمال كثير من الفنانين التشكيليين العرب المعاصرين” (الموسوعة المعرفية الشاملة).

وعانى الفنانون العرب الأمرين, فقد تفاوت الأهتمام بالفن التشكيلي من بلد الى بلد, ومن جيل الى جيل الا أن انتشار كليات الفنون في العالم العربي بشكل مطرد دليل على الاقبال على امتهان الفن.
كما أن الجهات الرسمية في هذه الدول بدأت ولو بشكل متواضع بدعم حركة الفن والفنانين بدءا من منتصف القرن الماضي . وأغلب هذه الدول تولي الفنانين اهتماما متزايداً لما يشكل الفن جانبا اساسياً من حضارة وثقافة الأمة.
ولعبت الأزمات والثورات السياسية وأبرزها ثورات الربيع العربي في البلدان العربية كدافع لانتشار الفن السياسي والاجتماعي على وجه الخصوص كما وقد لفت ذلك اهتمام العالم وسلط الضوء على العديد من الفنانين العرب من فئة الشباب وكان بمثابة الانطلاقة لفن جديد وفنانين جدد.

لوحة جدارية باسلوب الجرافيتي في احد شوارع فلسطين المحتلة.

لوحة جدارية في شارع مصري تمثل أحد ثورات الربيع العربي

ومع ذلك مازال العديد من الفنانين العرب المتفرغين يشتكي من بطء حركة سوق الفن التشكيلي في المنطقة وحصرها على عدد محدود من الفنانين.
كما يعاني الفنانون العرب من اشكالية الموارد التعليمية الذاتية و صعوبة ايجاد الارشاد الفني من قبل الفنانين الكبار والذي يُؤثِر الكثير منهم بالاحتفاظ بتقنياته الخاصة لنفسه وعدم مساهمته في دائرة التعليم التي نكمل بها حلقة التطور للفنانين الجدد.
لذا يجد الفنان الصاعد نفسه مخيراً بين امتهان مهنة أخرى تعيله مادياً وشق طريقه بصعوبة بالغة في مجال الفن أو دراسة الفن أكاديمياً في كليات معدودة وليست متوفرة في كل بلد (البحرين على سبيل المثال لا تملك كلية فنون حتى تاريخ كتابة هذا المقال).في كلتا الحالتين لا يوجد أي ضمان لمستقبل ناجح في ظروف ضبابية صعبة التكهن وضمن لستة أولويات حكومية قد تقبع فيها قضية الفن في نهايتها.
يبقى الحل الأمثل لتجاوز هذه المعوقات تكاتف الجهود بين الفنانين العرب و الجهات الحكومية وغير الحكومية باعطاء المزيد من الدعم لحركة الفن في العالم العربي. كما تقع المسئولية الكبرى على عاتق كل فنان عربي بتقبل التحديات ومواصلة شق طريقة واستغلال التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الالكتروني لضمان عامل الانتشار ( لقراءة المزيد حول كيف تضمن لنفسك النجاح والانتشار اقرأ: عشر خطوات لنشر أعمالك الفنية على نطاق واسع).